جوزيف عون.. رجل الجيش في قلب السياسة اللبنانية
تقلد جوزيف عون منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية في مرحلة تُعدّ من الأكثر تعقيدًا في تاريخ لبنان الحديث. الشخصية التي شغلت سابقًا قيادة الجيش اللبناني تُعرف بالانضباطية والصلابة، وهي سمات تتماشى مع الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان حاليًا. ورغم ذلك، فإنّ انتقاله من الدور العسكري إلى القيادة السياسية، يضعه أمام تحديات استثنائية تتطلب رؤية شاملة وقدرة على إدارة ملفات متنوعة وحساسة.
في بلدة سن الفيل في قضاء المتن، وُلد جوزيف عون عام 1964، حصل على الإجازة في العلوم السياسية، وإجازة في العلوم العسكرية.
بدأ جوزيف عون حياته العسكرية متطوعًا عام 1983، ومنذ عام 1984 شارك في عدّة دورات عسكرية من بينها دورة الضباط عام 1986، ودورة الغطس عام 1987، ودورة الضابط العسكري عام 1996، وذلك إلى جانب دورة قائد كتيبة عام 2002، ودورة في عمل الأركان عام 2012، عُيّن قائدًا للجيش عام 2017.
في 9 كانون الثاني 2025، انتخب مجلس النواب اللبناني، جوزيف عون رئيسًا للبلاد، بعد الجولة الثانية من التصويت البرلماني، ممّا أنهى حالة الجمود التي تركت لبنان دون رئيس منذ 2022.
أزمة اقتصادية خانقة
لبنان يعيش في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ عام 2019، حيث انهارت قيمة العملة الوطنية، وارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير. أمام جوزيف عون، تقع مسؤولية إعادة الثقة إلى النظام المالي والنقدي، وهو أمر يتطلب إصلاحات جذرية في قطاع المصارف والمؤسسات العامة. غير أنّ تنفيذ هذه الإصلاحات، قد يواجه عوائق من القوى السياسية، التي لديها مصالح في الوضع الراهن.
يعاني الشعب اللبناني من مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة، ممّا أدى إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير. سيحتاج الرئيس الجديد إلى طرح حلول ملموسة، تُعيد الأمل للناس وتخفف من معاناتهم اليومية.
الموقف الغربي والعربي
انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية، جاء في سياق محلي وإقليمي حساس، حيث لعبت توازنات القوى الدولية والإقليمية، دورًا كبيرًا في وصوله إلى سدّة الرئاسة. الدعم الذي حظي به عون، يعكس رغبة بعض الأطراف في استعادة الاستقرار في لبنان، ولكن هذا الدعم يحمل أيضًا، أبعادًا تتجاوز الداخل اللبناني، خصوصًا فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في البلاد.
الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك بعض الدول الخليجية مثل السعودية، أظهرت اهتمامًا كبيرًا بتطورات المشهد اللبناني. جوزيف عون، بشخصيته المحايدة نسبيًا وخلفيته العسكرية، قدّم صورة لرئيس قد يتمكن من تحقيق التوازن بين مختلف القوى المتصارعة في لبنان.
إسرائيل والتوازن الأمني
إسرائيل تُراقب عن كثب، أي تغييرات في القيادة اللبنانية، خاصة أنّ انتخاب جوزيف عون، قد يحمل إشارات لتغيير ديناميكيات العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله. عون، بحكم خلفيته العسكرية، قد يكون أكثر حزمًا في التعامل مع ملف الحدود والنشاطات العسكرية، ممّا قد يخفف من التوترات مع إسرائيل.
الشلل الإيراني
انتخاب جوزيف عون، يمثل تطورًا غير مرحّب به بالنسبة لإيران، التي تعتمد على نفوذ حزب الله، لتوسيع مصالحها في لبنان والمنطقة.
رغم أنّ حزب الله لا يزال قوة رئيسية في لبنان، فإنّ انتخاب رئيس مدعوم من قوى غير متحالفة كليًا مع طهران، يُعدّ مؤشرًا على تراجع قدرتها على فرض خياراتها السياسية في البلاد. دعم الدول الغربية والخليجية لعون، يعكس رغبة في تحقيق توازن سياسي جديد، قد يُضعف حزب الله تدريجيًا.
إيران تواجه بالفعل ضغوطًا اقتصادية وسياسية على المستوى الدولي، وانتخاب جوزيف عون، قد يضيف مزيدًا من العزلة لمشروعها الإقليمي. ضعف قدرتها على التأثير المباشر في الرئاسة اللبنانية، سيؤثر على استراتيجيتها في لبنان، كقاعدة أساسية لمحورها في الشرق الأوسط.
الرئيس الجديد يقف الآن على مفترق طرق؛ نجاحه أو إخفاقه، سيكون له تأثير كبير ليس فقط على لبنان، بل على استقرار المنطقة ككل. الوقت وحده سيكشف، ما إذا كان جوزيف عون، قادرًا على كسب هذا الرهان الصعب.