Wednesday, 22 January 2025
اشترك

زوال وهم القوموية مع سقوط الأسد

لسوريا تاريخ طويل من الصراع السياسي والاضطرابات، ولكن حكم الأسد وحزب البعث الاشتراكي شكّل نقطة تحوّل. منذ انقلاب 1963، الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، كان النظام القائم يروّج لنفسه كحامل للواء القومية العربية الوحدوية. رفع شعارات براقة مثل “أمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، لكنّه في الواقع وظّف هذه الأيديولوجيا لبناء دولة استبدادية مركزية تُقصي كل من يخالفها، وتُجهز على أي تعددية سياسية أو ثقافية. و شهدت سوريا أربعة عقود من القمع السياسي والتهميش الاقتصادي.

 مع تولي حافظ الأسد الحكم عام 1970، تحوّلت هذه القوموية الوحدوية إلى أداة لإحكام السيطرة على الدولة، وتديرها الأجهزة الأمنية والمصالح الفردية، ليكمل بشار الأسد المسار نفسه، بمزيد من القمع والاستبداد. سقوط هذا النظام، لم يكن مجرد زوال حكم ديكتاتوري، بل كان نهاية لعصر هيمنة مطلقة قامت على الخوف والفساد.

القوموية الوحدوية كأداة للسيطرة

اعتمد الأسد على القوموية الوحدوية كذريعة لبناء دولة مركزية، تهيمن عليها النخبة السياسية والأمنية المرتبطة بالنظام. هذه الإيديولوجيا، قامت على محو التنوّع الذي لطالما ميّز سوريا. أصبحت سوريا، بموجب هذا النظام، دولة ذات حزب واحد، وأجهزة أمنية تطارد كل صوت معارض. هذا القمع لم يكن فقط سياسيًّا، بل طال المجتمع السوري ككل.

المكونات السورية، كالأكراد والآشوريين وغيرهم، عانوا من التمييز الممنهج وحرمانها من حقوقها الأساسية، بينما تجاهل النظام احتياجات الطبقات الشعبية في المناطق الريفية، التي عاشت في حالة من الفقر والإهمال لعقود.

القوموية الوحدوية، لم تكن سوى أداة استبدادية تُغطي على مركزية السلطة، حيث استغل فكرة الوحدة؛ لتبرير قمع المعارضة، وسحق أي صوت يعارض سياساته.

الفساد الاقتصادي

كان الاقتصاد السوري تحت حكم الأسد، صورة واضحة للتناقض بين الشعارات الاشتراكية والواقع الفاسد. في حين رُفعت شعارات العدالة الاجتماعية والمساواة، استحوذت الطبقة الحاكمة ونخبها الاقتصادية على الموارد والثروات، وأُعيد تشكيل الاقتصاد السوري، ليصبح أداة لإثراء نخبة النظام السوري في عهد الأسد.

المواطن السوري أصبح ضحية لسياسات اقتصادية غير عادلة زادت من معاناته. وارتفعت معدلات البطالة، وتفاقمت الأزمات الاقتصادية مع تراجع مستوى المعيشة. كانت هذه الأوضاع جزءًا من تراكم أسباب الغضب الشعبي، ما جعل الشرارة التي أشعلتها احتجاجات 2011 ذات قوة استثنائية، إذ حمل الناس مطالب، ليس فقط بالإصلاح السياسي، بل بالتغيير الجذري الذي يطيح بمنظومة الفساد.

الثورة السورية عام 2011

بدأت الاحتجاجات الشعبية السلمية في درعا بمطالب محدودة، رفع القمع وتحسين الخدمات. لكن رد النظام القاسي، الذي شمل القتل والاعتقالات الجماعية، كشف عن استبداد مترسّخ غير مستعد لأي إصلاح.

سرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى ثورة، مع انضمام ملايين السوريين من مختلف المناطق والطوائف. تصاعدت الثورة من السلمية إلى المسلحة، نتيجة قمع النظام الوحشي. ومع انشقاق أعداد كبيرة من الجيش، بدأ النظام يفقد السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

الثورة السورية لم تكن فقط ضد الفساد والاستبداد، بل كانت رفضًا كاملًا، لحكم فردي قائم على التخويف. ومع استمرار الصراع، أظهرت الأحداث أنّ النظام فقد شرعيّته داخليًّا وخارجيًّا، حيث بات يعتمد بشكل شبه كامل على دعم خارجي للبقاء.

انهيار منظومة الاستبداد

بعد أكثر من عقد على بداية الثورة السورية، بات سقوط بشار الأسد أمرًا واقعًا. النظام الذي سيطر يومًا على كل سوريا، بالكاد أستطاع التحكم بمناطق محدودة، تحت حماية مباشرة من روسيا وإيران. البنية السياسية لحكم الأسد تهاوت، حيث فقد النظام شرعيّته الدولية والداخلية، وأصبح رمزًا للاستبداد والدمار.

سقوط نظام الحكم، كان سقوط فكرة قوموية مشوّهة، التي كانت سببًا رئيسيًّا في تقسيم سوريا وتعميق معاناتها. لقد انهارت رمزية الأسد كـ”قائد خالد”، وأصبحت صورته مرتبطة بالقتل والدمار، ممّا جعله أحد أكثر الشخصيات السياسية رفضًا في العالم.

سقوط الأسد بتاريخ 8 ديسمبر، لم يكن مجرد سقوط لشخص أو حزب، بل كان نهاية لنظام حكم اعتمد على أيديولوجية، أثبتت فشلها في توحيد المجتمع. سوريا اليوم بحاجة إلى نموذج جديد يقوم على التعددية السياسية والاعتراف بالتنوع الثقافي والاجتماعي، بعيدًا عن الأوهام القوموية التي كانت مجرد أداة لتبرير الاستبداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *