Saturday, 19 July 2025
اشترك

النظام التركي ماض في سياسة توسعية ممنهجة ولكن مصيرها الفشل

تتعدد أبعاد وأهداف إمعان الاحتلال التركي في عدوانه على الأبرياء بشمال العراق والمكون الكردي، بعضها يرتبط بعوامل داخلية تركية وأخرى خارجية، لكن تسود توقعات بفشل هذا التصعيد.

حول هذه التطورات، يقول كرم سعيد الخبير في الشؤون الإقليمية والمختص بالشأن التركي، في  تحليل خاص لمركز إنشاء للمعلومات (IIC)، إن الجيش التركي يواصل الضربات الجوية والبرية على قرى ومدن إقليم كردستان العراق، على نحو بدا جليًا في التحركات العسكرية المكثفة، الأمر الذى يشير إلى أنّ  النظام التركي ماض في سياسة توسعية ممنهجة، كانت أخر مظاهرها في يوليو/تموز الجاري عندما تم ضم مناطق جبلية في محافظة دهوك لتركيا، لافتًا إلى أنه وفقًا لتقديرات عديدة فإن التوغل التركي شمال العراق يبدو مختلفًا عما سبق، فقد أسفرت الهجمات الكثيفة عن اندلاع حرائق عديدة في المناطق الحدودية بين تركيا والعراق، بالإضافة إلى توظيف الجيش التركي الهجوم الحالي في إنشاء مواقع عسكرية جديدة في الإقليم الكردي.

ويقول سعيد إنه ربما يشير ذلك إلى تبني تركيا مقاربة جديدة تقوم على أن السياقات الإقليمية والدولية الحالية تشجع على استخدام القوة الخشنة ضد الكرد، لا سيما في ظل انشغال القوى المعنية بالأزمات المتفاقمة في غزة وأوكرانيا والبحر الأحمر، مؤكدًا أن محاصرة الوجود والنشاط السياسي الكردي في الإقليم، وخاصة امتدادات حزب العمال الكردستاني بعد نجاحه في أن يكون رقمًا صعبًا في معادلة توازنات الإقليم، أحد أبرز أهداف العمليات العسكرية التركية الحالية شمال العراق.

حسابات التصعيد التركي

ويذكر الخبير في الشؤون الإقليمية، أن مساعي تركيا لعسكرة المشهد شمال العراق تأتي في ظل حسابات مغايرة، توفر بيئة مواتية للتحركات التركية، وقد رصد أبرزها فيما يلي:

– تحولات السياسية العراقية: إذ يتزامن العنف التركي في شمال العراق مع تحول لافت للعلاقات التركية العراقية، كشف عنها توقيع البلدين في مارس/آذار 2024 اتفاق أمني، يقضي بتولّي السلطات العراقية إنهاء وجود حزب اعمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية ناهيك عن موافقة مجلس الأمن الوطني العراقي في 14 مارس/آذار الماضي على تمرير قرار يسمح باعتبار الحزب تنظيم محظور في العراق وأن وجوده داخل الأراضي العراقية يمثل خرقًا للدستور العراقي.

ويلفت سعيد في هذه النقطة إلى أنه يبدو أن التحركات العراقية الجديدة بشأن محاصرة حزب العمال الكردستاني، لا تنفصل عن رغبة بغداد في حل القضايا العالقة مع تركيا، وخاصة ملف المياه، وهنا، يمكن تفسير تنديد السلطات العراقية في 12 يوليو/تموز الحالي بـ”تجدد العمليات العسكرية التركية والتوغلات” في شمال العراق، ونفي  وزير الخارجية العراقي في اليوم الذي قبله منح بلاده ضوء أخضر للهجوم التركي، لكن من دون تبنى إجراءات عملية على الأرض.

– تعثر التطبيع مع دمشق: ويواصل سعيد سرده حول حسابات التصعيد التركي وينتقل إلى مسألة أخرى تتعلق بالعلاقات بين تركيا ودمشق، فيقول إنه على الرغم من سعى تركيا لتمرير عملية التطبيع مع دمشق، وإعلان أردوغان عن إمكانية دعوة الأسد إلى تركيا إلا أن ثمة تحديات تواجه هذه العملية بسبب الرؤي حول تعريف الجماعات المسلحة،  فبينما تعتبر دمشق خلافاتها مع الإدارة الديمقراطية لمناطق شمال وشرق سوريا خلافات يمكن معالجتها من خلال دمج العناصر الكردية في إطار سوريا الموحدة، تصر تركيا على تصنيف حزب العمال الكردستاني ومن تعتبرهم روافد له في الإقليم “كيانات إرهابية”، مضيفًا أنه يبدو أن ثمة قناعة لدى الرئيس التركي بأن تعثر التطبيع مع نظيره السوري، يقتضي الدخول في معركة كسر عظم مع حزب العمال الكردستاني للقضاء على بنيته العسكرية والتنظيمية والحاضنة الشعبية له، أو على الأقل إضعافه ودفعه نحو الاستجابة لأجندة تركيا وشروطها.

– توتر الداخل العراقي: ويواصل سعيد تحليله فيقول إن الهجمات التركية تأتي في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار على الساحة العراقية، وهو ما كشف عنه تنامي الانقسامات بين التيارات السياسية المكونة لحكومة السوداني بالإضافة إلى أن الهجوم التركي يأتي في ظل توقيت ضاغط داخل هيئة الحشد، فمثلًا تشير بعض التقديرات إلى أن ثمة صراع مشتد تحت السطح بين حزب الله العراقي، وميلشيا عصائب أهل الحق، مشيرً إلى أن آخر مظاهر ذلك الصراع كانت في 29 يونيو/تموز الماضي عندما فشلت محاولة إقالة “أبو زينب اللامي” القيادي في ميليشيا كتائب حزب الله العراق من منصب مدير لأمن الحشد.

– تنامى الخلافات الأمنية بين العراق وواشنطن: ثم ينتقل الخبير في الشأن التركي إلى نقطة أخرى لتفسير التحركات التركية، إذ يقول إن أردوغان يجد في الخلافات الأمنية الحالية بين واشنطن والعراق أفضل فرصة لضرب حزب العمال الكردستاني في العمق، لإجباره على القبول بالأجندة التركية، موضحًا أنه لذلك سعت تركيا إلى توظيف مطالب عراقية بضرورة وضع جدول زمني لإنهاء مهام الوجود العسكري الأمريكي في العراق، للتغطية على عملياتها المسلحة شمال العراق.

– تأثير المصالح الاقتصادية: وينتقل سعيد إلى نقطة أخرى ذات بعد اقتصادي، إذ يقول إن تأثير المصالح الاقتصادية يفسر أسباب حرص تركيا على عسكرة الأزمة شمال العراق، باعتبار أن لديها مصالح واسعة مع حكومة إقليم كردستان، من أبرزها، على سبيل المثال الرغبة في استعادة عملية تصدير نفط الإقليم عبر الموانئ التركية إلى أوروبا، وهي العملية المجمدة منذ مارس/آذار 2023 بسبب شكوى قدمها الجانب العراقي أمام هيئة التحكيم الدولية بباريس، ويلفت هنا إلى أن نحو 3 أرباع نفط كردستان، أي حوالي 450 ألف برميل يوميًا، يتم تصديره عبر الأنبوب الخاص في تركيا والمملوكة لشركة الطاقة التركية، كما تتسع العلاقات التجارية بين أنقرة والإقليم، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن الأخير يمثل ساحة مهمة لنشاط الشركات التركية المتعثرة.

– استغلال الانشغال الدولي بالأزمات الإقليمية: آخر النقاط التي تطرق إليها كرم سعيد حول حسابات التصعيد التركي تتعلق بالسياق الإقليمي والدولي، إذ يقول أن توقيت شن تلك الهجمات يرتبط بتصاعد حدة الأزمة في قطاع غزة التي دفعت المجتمع الدولي للانشغال بتطوراتها، بالإضافة إلى استمرار تداعيات الحرب الأوكرانية، على نحو قد يساهم في تحييد الضغوط الإقليمية والدولية ضد أنقرة، كما يبدو أن إيران تبدو في التوقيت الحالي بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراق الداخل بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن فوز الرئيس الإصلاحي مسعود يزشيكان، وكذلك تصاعد الضغوط الغربية على على خلفية نشاطها النووي.

أهداف متنوعة

وبعد سرده للنقاط السابقة تطرق كرم سعيد إلى أهداف التصعيد التركي ضد الكرد شمال العراق في التوقيت الحالي، والذي قال إنه يرتبط بالرغبة في تحقيق جملة من الأهداف، يمكن بيانها كالتالي:

– معالجة تراجع الشعبية: ويقول سعيد إن التحركات التركية بعسكرة المشهد شمال العراقي ترتبط بمحاولة الرئيس التركي القفز على التراجع الحادث في شعبية حزب العدالة والتنمية، والتي كشفت عنها نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في مارس/آذار 2024، والتي لم يتمكن خلالها أردوغان من إقصاء التيار الكردي، حيث  فاز حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب” ببلديات 3 مدن حضرية و7 مقاطعات و63 منطقة فضلًا عن حصوله على 5.9% من مجموع الأصوات، وقد وجدت السلطات الحاكمة في نتائج الانتخابات المحلية، وقبلها الفوز بالكاد في جولة الإعادة في الاقتراع الرئاسي في مايو/أيار 2023، متغيرًا داخليًا خطيرًا على أجندته المتمثلة في بقاء الحزب في صدارة المشهد التركي أو على الأقل ضمن مكوناته الرئيسية ما بعد أردوغان.

– محاولة إجهاض المشروع الكردي: أما عن ثاني تلك الأهداف يقول كرم سعيد إن العمليات العسكرية التركية في شمال العراق تستهدف محاولة إجهاض المشروع الكردي في الإقليم، وبخاصة في شمال سوريا، حيث يُتوقع أن تقوم الإدارة الذاتية بإجراء انتخابات محلية في أغسطس/آب 2024 بعد تأجيلها في يونيو/حزيران الماضي، مؤكدًا أن هذه الانتخابات تثير قلق تركيا، خاصة أنها تأتي بعد إصدار الإدارة الذاتية في ديسمبر/كانون الأول 2023 “العقد الاجتماعي الجديد”، والذي يُعد بمثابة دستور يُنظم إدارة مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، ويحظى هذا العقد بتوافق وتأييد واسع في مناطق شمال شرق سوريا، وهنا، يمكن تفسير الهرولة التركية للتطبيع مع دمشق في محاولة لبناء تحالف مشترك ضد حزب العمال الكردستاني وامتداده في سوريا والعراق.

في إطار هذا الهدف، يقول سعيد إنه في المقابل هناك ثمة مخاوف تركية من نجاح حزب العمال الكردستاني خلال الفترة الماضية من ترسيخ حضوره الشعبي داخل المدن الكردية في سوريا والعراق، وكذلك في العديد من المدن التركية، خاصة بعد تحوله إلى رقم صعب ليس فقط في الاستحقاقات السياسة التركية، وإنما في معادلة التوازنات الإقليمية.

– صرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية: وينتقل الخبير في الشأن التركي إلى هدف آخر يرتبط بالوضع الاقتصادي الداخلي في تركيا، فيقول إنه على الرغم من وعود أردوغان عشية الفوز في الرئاسيات الأخيرة باتخاذ تدبير عاجلة لمعالجة التراجع الحادث في مؤشرات الاقتصاد، بيد أنه لم يتمكن من تحقيق اختراق لافت في الأزمة الاقتصادية، وظهر ذلك في صعود معدل التضخم إلى نحو 75.5% فضلًا عن خسارة الليرة التركية في مطلع يوليو/تموز الحالي نحو 11% من قيمتها أمام الدولار، وأكثر من 40% منذ بداية 2023، وفي هذا السياق، فإن ثمة قناعة لدى الرئيس التركي، بأن تسخين الأوضاع في شمال العراق بالإضافة إلى التهديد بعملية عسكرية في الشمال السوري، يمكن أن يغطى على الفشل الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى، ترى أنقرة أن الهيمنة على شمال العراق قد توفر فرصة لتحويل الإقليم خلال المرحلة المقبلة إلى فناء خلفي للشركات التركية والمستثمرين الأتراك.

– ترسيخ التنافس الكردي- الكردي: ويقول سعيد إنه بالتوازي مع ما سبق، تراهن تركيا على توظيف عملياتها العسكرية شمال العراق لترسيخ التنافس بين الأحزاب الكردية الرئيسية داخل الإقليم، من خلال توظيف الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسييْن أي لاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” في أربيل، خاصة أن حزب الاتحاد الوطني يعارض المقاربة التركية في التعاطي مع حزب العمال الكردستاني وحقوق الكرد في المنطقة والقائمة على استخدام العنف وتوسيع الفجوة بين القوى والأحزاب الكردية، منوهًا إلى أن أنقرة تعتقد أن عسكرة الأوضاع شمال العراق، يمكن أن يمثل عاملًا إضافيًا لتوسع الهوة بين الكرد.

تعقيب ختامي

وفي ختام مقاله، يقول سعيد إنه يمكن القول إنه برغم إصرار تركيا على تبنى الخيار العسكري لوئد القضية الكردية، فإنه من المحتمل زيادة التصعيد مع حزب العمال الكردستاني الذي يصر بدوره على مواقفه والتمسك بحقوق الشعب الكردي، ورغم الارتدادات السلبية لتوظيف القوة الصلبة في الصراع التركي مع الكرد، إلا أنه من غير الوارد حدوث نجاح كبير للتحركات العسكرية التركية خلال المرحلة المقبلة في ظل شكوك قوى إقليمية ودولية في النوايا التوسعية لتركيا بالإضافة إلى صلابة المواقف الكردية، وقدراتها على تطوير هياكلها العسكرية والتنظيمية والسياسية التي أثبتت جدارتها في التعاطي مع الآلة العسكرية التركية ناهيك عن تأزم الموقف السياسي في الداخل العراقي، وتصاعد زخم الدعوات الرافضة لسياسات حكومة السوداني في العراق، والمناهضة للاتفاق الموقع بين بغداد وأنقرة، والذي يستهدف بالأساس حزب العمال الكردستاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *