Saturday, 19 July 2025
اشترك

الانتخابات اللبنانية في ظل صراع المصالح

في مطلع عام 2025، يمر لبنان بمنعطف مع اقتراب جلسة الانتخابات الرئاسية الجديدة التي من المقرر أن تُعقد في 9 يناير الجاري. هذه الانتخابات تأتي وسط أجواء سياسية مشحونة وأزمات اقتصادية خانقة، حيث يضع اللبنانيون آمالًا، وإن كانت محدودة، على قدرة الأطراف السياسية على التوصل إلى توافق ينهي شغور منصب الرئاسة اللبنانية. ومع ذلك، فإنّ هذه الانتخابات تجري في ظل انقسامات حادة بين القوى السياسية، التي لم تظهر حتى الآن أي بوادر حقيقية على الاتفاق، ما يضع مستقبل البلاد أمام مزيد من الغموض.

صراع على المصالح

الانتخابات الرئاسية اللبنانية المقررة في 9 يناير 2025، تمثل واحدة من أكثر المحطات إثارة في المشهد السياسي الراهن. فهذه الانتخابات ليست مجرد عملية ديمقراطية لملء منصب شاغر، بل هي في جوهرها معركة على النفوذ والمصالح بين القوى الداخلية والخارجية. في بلد تتداخل فيه السياسة مع الطائفية، وتتحكم فيه التحالفات الإقليمية، أصبحت الانتخابات الرئاسية ميدانًا يعكس الانقسامات العميقة التي يعيشها لبنان.

الانتخابات الرئاسية في لبنان لم تعد شأنًا داخليًا فقط، بل باتت محط أنظار القوى الإقليمية والدولية، التي تسعى للتأثير على مسارها بما يخدم مصالحها؛ لذلك فإنّ الجلسة المقبلة قد تكون حاسمة من حيث اختبار الإرادات السياسية، لكن المؤشرات الأولية تشير إلى أنّ الانقسامات ستستمر.

على المستوى الداخلي، تخوض القوى السياسية اللبنانية صراعًا على مصالحها الفئوية والطائفية، متجاهلة إلى حد كبير التحديات الوجودية التي يواجهها لبنان. القوى الموالية لحزب الله وحلفائه تدعم مرشحًا يضمن استمرار سيطرتهم على القرار السياسي، بينما تحاول المعارضة الدفع بمرشح يعيد التوازن للسلطة.

حزب الله وحلفاؤه يدفعون بمرشح يرون فيه حماية لمشروعهم الإقليمي وغطاء لدور الحزب في الداخل والخارج. حزب الله يعتبر أنّ أي رئيس يجب أن يكون متحالفًا معه، لضمان استمرار نفوذه السياسي والعسكري.

المعارضة تسعى إلى مرشح يمثل قطيعة مع النفوذ الإيراني في لبنان، ويرتكز على إعادة بناء الدولة من خلال مؤسسات قوية ومستقلة. قوى المعارضة، بما فيها الأحزاب المسيحية مثل القوات اللبنانية، تدرك أنّ هذه الانتخابات فرصة كمعركة نفوذ، لكسر هيمنة حزب الله وحلفائه، لكنّها تواجه صعوبات في توحيد موقفها حول مرشح واحد.

انتخابات 9 يناير ليست مجرد استحقاق دستوري، بل محطة مفصلية تحدد مسار لبنان في المرحلة المقبلة. إذا فشلت الجلسة المقبلة في انتخاب رئيس جديد، فإنّ تداعيات ذلك ستكون كارثية على البلاد. الشغور الرئاسي الذي طال أمده، يعمّق أزمة الثقة بالمؤسسات اللبنانية، ويؤدي إلى مزيد من شلل الدولة. حكومة تصريف الأعمال الحالية، لا تملك صلاحيات كافية لاتخاذ قرارات جريئة، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية بشكل متسارع.

الخليج وتأثيره

شهدت الفترة الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في المواقف الخليجية تجاه لبنان. الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، تتابع مجريات الانتخابات بترقب, حاولت مجددًا استخدام نفوذها للضغط على الأطراف السياسية، خاصة تلك المحسوبة على إيران، بهدف تحقيق تغيير في النهج السياسي للبنان. لكن هذه المحاولات اصطدمت بواقع سياسي معقّد، حيث لا تزال القوى المرتبطة بحزب الله والتيار الوطني الحر، تحتفظ بتأثير كبير على القرار اللبناني.

السعودية ودول الخليج خفّضت بشكل كبير، مستوى دعمها المالي والاقتصادي للبنان، وتسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في لبنان. موقف الرياض يتّسم بالحزم، مع اشتراط واضح: لا دعم للبنان ما لم يتم انتخاب رئيس سيادي قادر على إحداث تغيير جذري في السياسة اللبنانية.

حزب الله ومستقبل لبنان

على المستوى الداخلي، رغم إظهار الحزب تماسكًا واستمرارية في قيادة قواعده، فإنّ اغتيال قادته أثارت قلقًا لدى قاعدته الشعبية، التي ترى في الحزب قوة حماية في وجه التهديدات الخارجية. تصاعد الهجمات يضع الحزب أمام معادلة جديدة: كيف يمكنه الحفاظ على صورته كقوة مقاومة قادرة على حماية قادتها ومشروعها؟.

بالنسبة لحزب الله، تمثل الانتخابات الرئاسية، اختبارًا حقيقيًّا لنفوذه وقدرته على فرض إرادته في ظل الضغوط المتزايدة. بعد الاغتيالات، أصبح الحزب بحاجة إلى إثبات قوته السياسية وتعزيز تحالفاته، خاصة مع التيار الوطني الحر وبقية حلفائه التقليديين. ومع ذلك، فإنّ المعارضة والقوى الإقليمية المناهضة للحزب، تعمل على تعطيل أي محاولة لفرض مرشح محسوب عليهم, وترى في انتخابات 2025، فرصة تاريخية لكسر هيمنة الحزب السياسية.

خلال الأشهر الماضية، شهد لبنان تزايدًا في الانتقادات الداخلية لحزب الله من قوى سياسية وشعبية، تتهمه بالتسبب في عزلة لبنان الدولية، وتدهور علاقاته مع محيطه العربي. هذه الانتقادات تزايدت مع انخراط الحزب في مواجهات عسكرية على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

الوجود الإيراني

لطالما كان لبنان ساحة حيوية في الاستراتيجية الإقليمية لإيران، حيث شكّل حزب الله أداة مركزية لتحقيق نفوذ طهران، ليس فقط داخل الحدود اللبنانية، بل على امتداد الجغرافية الإقليمية.

ومع موجة الاغتيالات التي استهدفت قادة بارزين في الحزب، تدخل العلاقة بين إيران ولبنان مرحلة دقيقة، تكشف عن تحولات عميقة في الموازين الإقليمية والمحلية، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

إيران تعتمد على حزب الله كحليف أساسي في مشروعها الإقليمي، الممتد من العراق وسوريا إلى اليمن ولبنان. لكن استهداف قيادات مؤثرة داخل الحزب، لا يُعد مجرد ضربات أمنية، بل رسائل استراتيجية تحمل أبعادًا متعددة، لإضعاف أذرع إيران الإقليمية.

الدول الغربية والخليجية ترى الانتخابات الرئاسية، فرصة لتقليص النفوذ الإيراني في لبنان؛ لذلك تستغل الاغتيالات والضعف الناتج عنها، لزيادة الضغط على حزب الله ومن ورائه إيران.

إيران تدرك بنفس الوقت أنّ الانتخابات الرئاسية اللبنانية، فرصة حاسمة لتثبيت نفوذها أو خسارته جزئيًّا؛ ولذلك فإنّ استراتيجيتها في المرحلة المقبلة، ستتمحور حول تحقيق أهدافها بأقل تكلفة ممكنة. حيث أنّ إيران تراهن على الانقسامات الداخلية بين القوى اللبنانية، لتحقيق مكاسب سياسية. فإذا نجح حزب الله في تقديم نفسه، كطرف أساسي في أي تسوية داخلية، فإنّ ذلك سيضمن لطهران استمرارية نفوذها.

الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية

تسعى إسرائيل دائمًا إلى مراقبة الأحداث السياسية في لبنان عن كثب، إذ يعتبر أي تغيير في التوازنات السياسية في لبنان، ذا تأثير كبير على مصالحها الأمنية والاستراتيجية. مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في لبنان في 2025، يبدو أنّ الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، قد يرتبط بشكل وثيق بالمنافسات السياسية الداخلية في لبنان، حيث يمكن أن يكون للانتخابات، تداعيات كبيرة على مسار العلاقة مع إسرائيل وأمن المنطقة ككل.

إسرائيل تنظر إلى الانتخابات اللبنانية في 2025 من زاوية أمنية بحتة. أي تغيير في النظام اللبناني، قد يغير بشكل كبير المعادلة الأمنية على الحدود, وهذا بحسب تعزّز قوة حزب الله أو تقليصه في الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

في حال شهدت الانتخابات اللبنانية، فوز قوى داعمة لسياسات الغرب والخليج، فإنّ إسرائيل قد تجد نفسها في موقف أفضل على صعيد التعامل مع لبنان.

في النهاية، سيكون هناك ربط وثيق بين التحولات السياسية اللبنانية، واحتمالية انهيار الهدنة على الحدود، ممّا يضع المنطقة على حافة تغييرات كبيرة، قد تفضي إلى تصعيد عسكري خطير.

ونرى بأّنه في ظل الانقسامات الراهنة، يبدو أنّ لبنان يواجه خطر الانهيار الكامل، إذا لم تتّخذ الطبقة السياسية، خطوات جادة لإنقاذ ما تبقى من الدولة، ولكن في ظل الانقسامات الراهنة يبدو أنّ الخروج من الأزمة، يتطلب ضغطًا خارجيًّا قويًّا ودعمًا دوليًّا، بالإضافة إلى إرادة داخلية صادقة، للبدء في إصلاح جذري يعيد بناء الدولة على أسس جديدة. حتى ذلك الحين، يبقى لبنان عالقًا في دوامة أزماته، وسط غموض يلف مستقبله ومصير شعبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *